الحلقة التاسعة: ضحك ودموع في المؤتمر الدولى

[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]

الحلقة التاسعة: ضحك ودموع في المؤتمر الدولي

لم يجد د. كمال
أمامه إلا الموافقة الفورية على قرار انتدابه للمملكة لمدة أسبوع بدلاً من
زميله المريض لحضور مؤتمر أمن المعلومات الدولي، فهي فرصة طالما انتظرها
لكي يواجه سارة بما فعلته. كما أنه ضمن أن الجامعة
ستدفع له تكاليف تذاكر السفر والإقامة ولكنه راح يفكر في طريقة لأداء
العمرة بدون تحمل أي تكاليف، ويحسب بدقة الخسائر والأرباح المتوقعة من تلك
الزيارة. ووجد أنه لابد أن يؤجل إثارة أي مشاكل مع سارة حتى يضمن قيام رعد بتوصيله لمكة المكرمة بسيارته وبعد ذلك يمكن طلب كتب الكتاب وتحديد موعد الزفاف.





كان عليه أن يقوم بتجهيز
حقيبة السفر وحاسوبه المحمول الذي يحتوي على دراسة قامت بها الجامعة التي
يعمل أستاذا بها بالاشتراك مع أحد الشركات الشهيرة لإنتاج مضاد للفيروسات
وكانت عن ازدياد حالات اختراق الحواسيب وقرصنة المعلومات في المملكة بصورة
تضعها في المرتبة التاسعة على مستوى العالم في هذا المجال. ولم ينس أن
يأخذ معه هديه متواضعة لسارة حصل عليها من أحد المزادات.
كانت رحلة السفر شاقة بالنسبة له لأنه سيصل في نفس يوم افتتاح المؤتمر
وراح يتطلع في وجوه المسافرين تارة ويقلب كتاب جديد أهداه له صديق تعرف
عليه في المطار تارة أخرى.
بدأ المؤتمر بتلاوة آيات من القرآن الكريم وأعقبها افتتاح رسمي وبدأ في الاستعداد لإلقاء كلمته باللغة الانجليزية.
وما
أن ذكر نتيجة الدراسة وعرض توصياته في ختام الكلمة حتى سمع همهمة بين
الحضور واعتراض على ما قال. فقام أحد الحاضرين بمقاطعته قائلاً:
أحد الحضور (بتحمس): يا دكتور.. أنت تتحامل كثيراً على وطنك الذي نشأت وتعلمت فيه. حواسيبنا بخير ونحن غير مقصرين في شيء.
لكن د. كمال لم يجب على السائل وأشار لشخص آخر يجلس في المقاعد الخلفية لكي يقول سؤاله:
آخر
: هل تعاني أجهزة الحاسب الآلي التي تباع لدول الشرق الأوسط من عيوب أو
مشاكل تجعل القدرة على اختراقها سهلة أم أن المشكلة ترجع لسوء استخدام من
المستهلكين ؟
د. كمال: للأسف .. حاول البعض الترويج
لهذه المقولة للتشكيك في نوايا الغرب ولكن دعنا من تلك الافتراضات التي لم
تثبت صحتها . فالأجهزة وأنظمة التشغيل التي تباع في الشرق الأوسط هي نفسها
التي تباع في أي مكان آخر في العالم . لكن المشكلة في رأيي ترجع لقلة وعى
المستخدمين بأمن المعلومات كما ذكرت ، وكذلك سوء استخدام بعضهم للانترنت
كالقيام بكسر البروكسي وتصفح مواقع غير لائقة تمثل شراكاً ومخزناً لكافة
أنواع الفيروسات وملفات التجسس. وأحيانا لا يتعلق الأمر بسوء استخدام بقدر
ما هو إعطاء ثقة مفرطة في غير محلها لأشخاص يقومون بتجميع المعلومات من
خلال العلاقات الشخصية وهو ما يعرف بإسم الهندسة الاجتماعية "Social
Engineering ".
وهنا رن الهاتف الجوال الخاص بكمال الذي نسي وفتح السماعة بحركة سريعة بدلاً من إغلاقه وسمع جميع الحضور صوت سارة وهى تؤنبه بغضب قائله:
سارة:
كمال.. اعلم أنه ليس لك أي عذر هذه المرة لكي تتصل بنا لتطمئن على
الوالدة. أعرف أنك وصلت منذ خمس ساعات ولكني لن أخبرك عما حدث لها. وإن
كنت ترى أننا لا نستحق مكالمة منك فها هو خاتم الخطوبة اخلعه لألقيه على
الأرض ثم بكت بصوت يشبه الصراخ.
كان الموقف محرجاً للغاية أمام
الجميع وهنا سارع كمال بالتغطية على ما حدث بعد أن قام بإنهاء المكالمة
وبدا مرتبكا تعلو الحمرة جبينه وصار نجماً لامعاً. ليس بسبب جودة الدراسة
التي ألقاها ولكن بفضل قطرات العرق التي تتزايد. ثم أشار في أي اتجاه عله
يجد من يريد أن يسأل بعد أن هدأت القاعة من أصوات بعض الضحكات والثرثرة
الصادرة من الجانب النسائي في القاعة.
شخص آخر: إذا سلمنا بنتائج هذه الدراسة، فلماذا احتلت المملكة هذه المرتبة المتقدمة برأيك؟
د. كمال:
لاشك أن مستخدمي الحواسيب في المملكة يتوقون لاقتناء كل ما هو جديد في
عالم الحوسبة، كما أن الحوسبة المحمولة باتت جزءا لا يتجزأ من حياتهم
اليومية فقد أشار استطلاع للرأي إلى أن 88% ممن يملكون حواسيب محمولة
يستخدمونها بشكل يومي، و32% من هؤلاء يستخدمونها لأكثر من 5 ساعات في
اليوم الواحد. وتفيد آخر التقارير بأن المملكة تنفق سنويا أكثر من 20
مليار دولار هذا المجال. وأعتقد أن السبب الرئيس في احتلال هذه المرتبة
المتقدمة والتي أرى أنها نتيجة متوقعه، يرجع إلى غياب الوعي بمفهوم أمن
المعلومات وأساليب تحقيقه لدى معظم مستخدمي الحاسبات بالمملكة بالرغم من
وجود بعض البدايات المبشرة لتحقيق ذلك . وهناك ضرورة ملحة لوضع خطط موازية
لتحقيق الأمن المعلوماتي تسير جنباً إلى جنب مع خطة تعميم استخدام
الحاسبات والانترنت بالمملكة.
عاد جرس الهاتف يرن من جديد مما أثار
استياء رئيس الجلسة الذي أشار إليه بيديه لإسكات الجوال، وكانت نمرة رعد
هذه المرة. إلا أن كمال أغلق هاتفه احتراماً للحضور.
أحد الحاضرات: ما هي أكثر الأخطاء الشائعة التي يقوم بها مستخدمي الحواسيب تتسبب باختراق أجهزتهم؟
د. كمال:
هناك الكثير جدا من الأخطاء مثل.. مثل ما حدث الآن من تقصير مني في إغلاق
الجوال مما تسبب في اختراق خصوصيتي بهذه الصورة المؤسفة والتي أعتذر
عنها، ولكنها فرصة لكي أقول لكل من ضحك أن حاسوبه وإسراره ووثائقه وصوره
الشخصية مكشوفة للآخرين تماماً كما حدث لي. فلا يضحك كثيراً. والعبرة بمن
يعي الدرس جيداً ويقوم بتأمين نفسه من هذه الأخطار. فالأخطاء التي يقع عدد
كبير من الناس فيها تكون في عدم تركيب برنامج جيد يعمل كجدار ناري ومضاد
للفيروسات وملفات التجسس أو التوقف عن تحديثه باستمرار و الاعتماد على
كلمات مرور ضعيفة وعدم تغيير الإعدادات الافتراضية الخاصة بالشبكات وفتح
الملفات المرفقة بالبريد الالكتروني والمرسلة من شخص غير معروف. فضلاً عن
استخدام نسخ من البرامج غير الأصلية وكثرة التجوال في مواقع الانترنت غير
الآمنة وفتح نوافذ الإعلانات الانبثاقية. ولا تنسوا أن استخدام برامج
المحادثة غير الآمنة منتشر بصورة كبيرة في المنطقة العربية.
شخص آخر:
توجد الكثير من برامج مكافحة الفيروسات ولكن الحرب مستمرة بين القائمون
على الاختراق ومخترعي برامج حماية امن المعلومات. برأيك أين موقعنا في تلك
الحرب وهل لدينا كوادر مؤهلة لتلك الحروب أم أننا الحلقة الأضعف كما يقال؟
د. كمال:
أولا وحتى لا أنسى أدعو المجتمع لقراءة موضوعات ومقالات في مجال أمن
المعلومات والاهتمام بهذا الأمر الذي يهم كل إنسان يستخدم الحاسوب. أما
بخصوص سؤالك، فللأسف لا يوجد على مستوى العالم العربي منتج واحد يستطيع
منافسة البرامج الشهيرة لمكافحة الفيروسات وملفات التجسس ولكني لست
متشائماً ولا أقول بأننا خرجنا من مضمار منافسة المحترفين. لأنه وبالرغم
من قله نشاطنا في هذا الاتجاه إلا انه يوجد بالمملكة بعض المهارات الفردية
التي تستطيع المنافسة عالمياً إذا أعطيت الفرصة والتدريب المناسبين.كما أن
هناك عدد من الزملاء الأكفاء يعملون كخبراء في مختلف قطاع الاتصالات
وتقنية المعلومات بالمملكة في مجال أمن المعلومات أو شركات ومؤسسات حيوية.
وعلى المستوى الفردي هناك حركة نشطة، فبعض الشباب الواعد الذي صمم على
محاربة وتدمير المواقع التي تسيء إلى الإسلام وهذا من حقنا رداً على تلك
الإساءات المتكررة. كما أن إنشاء مركز التميز لأمن المعلومات التابع
لجامعة الملك سعود سيعمل على توعية المجتمع في هذا المجال.
وهنا بدأت
بعض الدموع تترقرق في عيني كمال بسبب تهديد سارة بفسخ الخطوبة وخلعها
الخاتم، وهو الذي أحبها وفضلها عن الكثير من بنات أمريكا خاصة الطالبة
الجريئة التي حاولت عدة مرات لفت أنظاره إليها في المحاضرات بتهريجها
وضحكاتها المستمرة، مما دعاه إلى التقاط صورة لها بجواله حتى يبلغ عنها
إدارة الجامعة للتحقيق معها.
شخص آخر: من المعروف أن الدول تستفيد من اختراق بعض الأجهزة ولكن برأيك لماذا يلجا الأفراد العاديين لاختراق أجهزة أفراد عادية أيضا؟
د. كمال:
تفضلي بالجلوس سمعتك جيداً. في الحقيقة تختلف دوافع المخربين من شخص لأخر.
لكن هناك نقاط مشتركة بينهم مثل الرغبة في إثبات الذات ولفت الأنظار
والشعور بمتعه عند الاختراق والتخريب والتظاهر بمظهر العباقرة وهذا غير
صحيح فهم واهمون ومخربون لديهم فائض غير مستغل من الوقت. فعدد الخبراء في
مجال الاختراق عالمياً يقل عن 20% من عدد المخربين الموجود. أما الغالبية
العظمى فهم يقومون بتنفيذ خطوات محددة ومعروفة ويستخدمون برامج خاصة
بالاختراق وما أكثرها على الانترنت. وتحت وطأة الأزمة المالية العالمية
أتوقع المزيد من هجمات سرقة البيانات خاصة بطاقات الائتمان والحصول على
معلومات شخصية للابتزاز المالي. أيضا قد يلجأ المخربون لذلك بسبب
معارضتهم لسياسة معينة أو لتحقيق مآربهم الوضيعة مثل ابتزاز الفتيات بعد
الحصول على صور وملفات خاصة بهن كما أن هناك العديد من حالات التجسس التي
تقوم بها بعض الجهات لصالح شركات تجارية بهدف التعرف على عادات المستخدمين
لتحقيق مزايا تنافسية في السوق. دعنا نأخذ آخر سؤال.
شخص آخر: كيف ترى عقوبات الاختراق؟
د. كمال:
هناك قرار لمجلس الوزراء السعودي فرض فيه عقوبات بالحبس لمدة عام واحد
وغرامات تصل إلى 500 ألف ريال (133 ألف دولار ) وذلك لجرائم القرصنة
الإلكترونية المرتبطة بالانترنت، وإساءة استخدام كاميرات الهواتف المحمولة
مثل التقاط الصور بدون تصريح، وبموجب مشروع القانون توقع العقوبة على
الدخول غير المشروع إلى موقع إلكتروني أو تغيير تصاميم هذا الموقع أو
إلغائه أو إتلافه أو تعديله، كما يجرم مشروع القانون " المساس بالحياة
الخاصة عن طريق إساءة استخدام الهواتف النقالة المزودة بكاميرا أو ما في
حكمها بقصد التشهير بالآخرين وإلحاق الضرر بهم عبر وسائل تقنيات المعلومات
المختلفة. وفي رأيي أن العقوبة وحدها تقلل من حالات التخريب.
وبمجرد خروج كمال من القاعة قام بفتح جوالة ليجد رسالة غاضبه من رعد يقول فيها:
رعد: ماذا قلت لها؟ لقد تسببت بإصابة سارة بالإغماء ورقودها بجوار الوالدة. ننتظرك حالا بمستشفى الأمم.