بسم الله الرحمن الرحيم
معركة البويب من المعارك الحاسمة في تاريخ المسلمين وتقاس بيوم اليرموك لأنها أذنت للمسلمين أن ينساحوا في بلاد الفرس
وقعت في 12 رمضان 13 هـ وذلك في خلافة عمر بن الخطاب
الوضع السياسي والعسكري قبل المعركة
الفرس قوة عظيمة مجهزة بأحدث وسائل التسليح في ذلك الوقت وقد خاضت قبل ذلك عدة حروب مع المسلمين آخرها معركة الجسر والتي استطاعت أن تحسمها لصالحها مما رفع من روحها المعنوية وأعاد لها الثقة
لكن قائد القوات المسلحة في المنطقة رستم كان يعلم أن ذلك النصر الميداني لن يقدم الكثير على الصعيد السياسي فما زال المسلمون يرغبون في التوسع في الأراضي الفارسية وينشرون دينهم لذا قرر تجهيز قوة عسكرية قادرة على سحق قوات المسلمين وطلب من قيادته مبالغ ضخمة من أجل ذلك.
في المقابل أحدثت نكسة الجسر حالة من الانهزام النفسي والمعنوي لدى قوة المسلمين في العراق فتفرقت وجعلت الخليفة عمر بن الخطاب يعرض عن الحديث عن الفتوح في الجبهة الفارسية ويوقف إرسال الإمدادات. ثم حصلت بعض المناوشات بين المثنى بن حارثة الشيباني والقوة الباقية معه من فلول الجسر وبين قادة من الفرس أشعلت الرغبة لدى المسلمين لرفع راية الجهاد من جديد.
[عدل] التعبئة
وافق عمر على ضم من يرغب من المرتدين التائبين إلى الجيش الإسلامي واتجهت القوات الإسلامية لتنضوي تحت لواء المثنى بن حارثة وكان ممن نفروا جرير البجلي الصحابي الجليل ومعه قبيلته.
حشد رستم مائة ألف فارس ومعهم خمسون ألفاً من المشاة وفيلة. هناك من يقول بأن تعدادهم سبعون ألفاً غير أن المهم أنهم يتفوقون عدة وعتاداً على خصمهم. عين رستم مهران بن باذان قائداً عاماً للجيش وقد كان يعرف العربية ووالده مسلم قاتل ضد المرتدين.
زحف الجيش الفارسي الجرار من المدائن إلى الحيرة لملاقاة جيش المسلمين. القائد المثنى صقلته حملاته السابقة واحتكاكه بخبرات فذة من المسلمين. أيضاً مجاورته للفرس واشتباكاته معهم كشفت له خريطة التفكير الفارسية وأضاءت له نقاط الضعف والقوة. لذا قرر المثنى أن يغير مكان معسكره إلى البويب وعسكر بجنده غربي الفرات.
[عدل] الالتحام
لحق الفرس المسلمين وحجزهم النهر. هنا استفاد المثنى من زلة الجسر وطلب من عدوه العبور. حين عبر الفرس وانحشر عسكرهم بين النهر وبين جيش نظمه المثنى بذكاء إلى عدة ألوية يتقدمهم المثنى فاتحاً صدره للشهادة. إن مخالطة المثنى للجند وخطبه الحماسية فجرت لدى المسلمين رغبة النصر لأجل دينهم والتضحية بكل نفيس.
أذن المثنى لجيشه بالالتحام حين يسمع تكبيرته الثالثة. (الله أكبر) المرة الأولى تنطلق مدوية. حينها يزحف الجيش الفارسي وقد التهبت حناجره بالصياح والهتاف وأخذ يضغط على ميمنة المسلمين محاولاً كشفها. تثبت القلة أمام الكثرة المتدفقة بقسوة ومعها سلاح الفيلة. يشتد القتال ويطول ويظل الثبات هو التعليق. تبقى فرقة طوارئ عيّنها المثنى تراقب سير القتال وتؤمن مؤخرة الجيش.
كان المثنى بطل المسلمين يصول ويجول في ساحة القتال يحرض فريقه على الصبر ويبحث عن الثغرات ليسدها. كان يحث المسلمين بقوله :
((لا تفضحوا المسلمين اليوم، انصروا الله ينصركم))
كان يعلم بأن طول هذا القتال يرجح كفة الكثرة على الشجاعة. لذا ينطلق هو وبصحبته بجيلة وأميرهم جرير ونفر من شجعان المسلمين ليختصر المعركة فيستهدف رأس العدو مهران. ينجح جرير بن عبد الله (وقيل المنذر بن حسان بن ضرار الضبي) في قطع عنق زعيم المجوس فيتفكك جيشه ويتخلخل وترفرف أعلام الهزيمة على صفحات الوجوه الفارسية. يضغط المسلمون على قلب خصمهم فتنفصل ميمنته عن ميسرته ويلتف المثنى ليقطع جسر العبور ويصطاد رؤوس الهاربين الذين كانوا من قبل يتوقون لسفك دمه ودم رفاقه.
[عدل] ما بعد المعركة
بعد انهيار القوات الفارسية وتشرذمها يأمر المثنى بملاحقة فلول الفارين والسيطرة على المزيد من الأراضي الفارسية التي كانت أبرمت مع المسلمين عقوداً ثم نقضتها. بلغ عدد الهالكين قتلاً وغرقاً من الفرس حوالي مائة ألف أي ثلثي الجيش تقريباً. أما المسلمون فزهقت منهم 4000 روح.
الجدير بالذكر أن المثنى قام أمام جيشه واعترف بخطئه في التفافه خلف الفرس حيث يرى أنه أرغمهم على التهلكة وهذا ليس من أخلاق المسلمين.