الحلقة العاشرة: حقيبة من الأوزار

[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]

الحلقة العاشرة: حقيبة من الأوزار

تمكن
ماجد من الهرب بمفردة بعدما قفز من شرفة خلفية لغرفة صلاح تطل على حديقة
صغيرة وأخذ معه حقيبة جلدية بها المبالغ التي قاموا بجمعها من عمليات سرقة
بطاقات الائتمان وكانوا سيقتسموها لاحقاً، وتنكر في زى الحارس الذي وجده
مبللا ومعلقا على أحدى الشجيرات المزروعة بطول السور المحيط بالمنزل.
بينما تم القبض على زميليه وأودعا في السجن انتظارا لمحاكمتهما بتهمة
اختراق وتخريب موقع أحد الوزارات الهامة. فقد تمكن رعد من
مطاردتهما الكترونيا أثناء فترات انتظاره زيارة والدته بمقهى قريب من
المستشفي التي تعالج فيه. لأنه يعلم جيداً أن من اخترق موقعه على علاقة مع
الخاطفين. ولولا الخطأ الذي وقع فيه سلطان ما تمكن من
معرفة رقم حاسوبهما "IP address" الذي استخدماه في تنفيذ عملية التخريب.
لقد نسي سلطان استخدام برنامج لإخفاء الرقم مرة واحدة وهى التي استغلها رعد وحدد بواسطته موقع منزلهما.




صار كل ما يشغل تفكير ماجد هو
الاطمئنان على والدته فطلب من جار له في المنطقة أن تتولى زوجته الاتصال
برقم جوال عمته نورا لتسأل عنها وتخبره بأمرها. وجاء الرد بأسرع مما توقع.
الوالدة يجب أن تسافر فوراً إلى أمريكا لإجراء جراحة بالمخ.
وعلى الفور
فكر ماجد في طريقة لإحكام التنكر فقام بزيارة احد أصدقاء الدراسة والذي
يعمل كمساعد مخرج وطلب منه استعارة شارب ولحية بيضاء من تلك الأشياء التي
يستخدمها الممثلون في أداء أدوارهم حتى تتناسب مع الجلباب القديم الذي
يرتديه. وأوهمه بأنه يريد أن يفاجئ أخته بصورة غير مألوفة حتى يخيفها.
كان على رعد أن
يحجز غرفة في المستشفى الأمريكي الذي حدده لهم الطبيب لإجراء الجراحة
ولابد له أن يسدد التكاليف عن طريق موقع المستشفى على الانترنت فطلب من
سارة أن تقوم بالدفع بينما انشغل في معرفة تفاصيل حالة والدته الطبية.
سارة وهى تلحق برعد: انتظر رعد.. لم تفهمني ماذا أفعل تحديداً بهذه البطاقة.
التفت رعد وقال لها في عجالة كأنه لا يريد إضاعة الوقت والفرصة للتحدث مع الطبيب وهما يسيران في عجلة:
رعد:
اذهبي للمنزل واستخدمي الحاسوب المحمول الخاص بي وادفعي بهذا الكارت
وستجدين في هذه الورقة الرقم السري.. لكن تأكدي قبل الدفع من خلال الموقع
من وجود "https" في شريط العنوان الخاص به.
سارة باعتراض: ولماذا اذهب للمنزل ولدينا انترنت في المستشفي؟!
الطبيب: أفضل أن تكون معها.
رعد: لا يوجد وقت لدينا.. يا سارة افعلي ما أقوله لك بدون أسئلة أرجوك.
سارة: ولكني ارغب في الدفع باستخدام احد حواسيب المستشفى المتصلة بالانترنت. المفترض أن يكون حاسوبك المحمول معك دوماً.
وهنا تسارعت خطوات الطبيب باتجاه غرفة مريض أخر.
رعد:
عفوا يا دكتور، انتظر دقيقة واحدة. يا سارة لا تنفذي المعاملات
الالكترونية من أجهزة الحاسوب الموجودة بالأماكن العامة.. ولا تستخدمي
المتصفح لتخزين كلمة المرور أو معلومات بطاقة الائتمان. فهمتي؟
الطبيب:
نعم.. أخوك على حق ولكن أسرعي.. كما يجب عليك أن تكوني حذرة من كل ما يطلب
منك معلومات حساسة مثل رقم الحساب المصرفي أو رقم الهوية الوطنية فالبنوك
لا تطلب بياناتك عن طريق الهاتف أو الانترنت أو الرسائل النصية. كما أن
أخوك لم يحضر الحاسوب المحمول الخاص به لأنه يعلم جيداً أن وجود هذه
الأجهزة ممنوع في غرف الطوارئ أو الأجهزة الطبية الحساسة لأنها تؤثر
عليها.
سارة: ولماذا جعلوا طريقة الدفع عبر
الإنترنت متخلفة هكذا؟! الأفضل أن أقوم بإرسال بريد إلكتروني يحتوي على
بيانات البطاقة وهم في أمريكا يدخلون البيانات وينتهي الموضوع.
رعد: حسنا يا دكتور تأكدت الآن فقط أن كلامك على حق.. ينبغي أن أقوم بنفسي بأداء هذا العمل. ولكن أعطني رقم هاتفك الجوال.
أسرع رعد إلى
المنزل بينما مكثت سارة مع عمتها تكملان إجراءات السفر النظامية لحجز أقرب
رحلة طيران إلى أمريكا بمساعدة وحدة الطوارئ بالمستشفى.
سارة لعمتها: أعتقد أنه من الأفضل تركيب كمية جديدة من الجلوكوز فقد قارب على النفاذ. سأقول ذلك للممرضة.
العمة: اضغطي على الجرس المعلق بجوار السرير لتأتينا الممرضة.
دخلت الممرضة وقالت في حزم:
الممرضة:
أرجوكم تفضلوا بالجلوس في الخارج.. فهذه الغرفة يمنع دخول أي إنسان سوى
الطبيب والممرض ولكني سمحت لكما برؤيتها خمس دقائق فقط فلا تؤذوني.
العمة: ولكن الجلوكوز نفذ ولم يأت أحد لتغييره!
الممرضة: هذا عملنا.. ولقد جئت لعمل ذلك وإعطائها حقنة.
جلست سارة وعمتها بالخارج فوجدا رجل أنيق يطيل النظر إليهما من بعيد.
العمة: سارة.. أليس هذا الرجل يشبه إلى حد كبير الدكتور كمال خطيبك؟
سارة: بل إنه هو.
اقترب كمال مسرعاً وهو يقول:
كمال: طمئنوني عليها.. لقد جئت لرؤيتها.. السلام عليكما.
سارت سارة عدة
خطوات مبتعدة عنه بينما رحبت العمة به وراحت تخبره عن ظروف السفر الطارئة.
لاحظ كمال أن سارة قد خلعت خاتم الخطوبة بالفعل كما قالت له فحاول أن ينهي
كلامه سريعاً مع العمة وقال لسارة بصوت خفيض:
كمال: ليس من المعتاد أن تستقبليني بهذا الفتور.. ماذا حدث؟!
رفعت سارة وجهها من الأرض ونظرت بحدة إليه قائله:
سارة: لم يعد بيننا شيء بعد الآن.
العمة: ما هذا الكلام الغريب يا سارة. أهو وقت للخصام؟!
كمال:
لم يحدث شيء يستدعي ذلك. على كل الأحوال ليس وقتاً مناسباً للمزيد من
الأوجاع. فقط جئت لكي أقول لكم إنني معكم حتى تقوم الوالدة بالسلامة.
دخل محاسب المستشفى قائلاً وهو يوجه كلامه لكمال:
المحاسب: لديك بعض الأتعاب التي لم تسددها حتى أصدر لكم إذن المغادرة.
أحس كمال بمغص حاد وهو يستمع لمثل هذه الكلمات القاسية وقال في شحوب بينما أخذت سارة تختلس بعض النظرات وهي تحدث عمتها:
كمال: حسناً سأدفع.. سأدفع.. كم المبلغ المطلوب؟ وتحسس محفظته عله لا يجدها فيجد عذراً مقبولاً للموقف المحرج.
المحاسب وهو يقرأ من ورقة صغيرة: فقط عشرة آلاف ريال.
كمال:
فقط.. عشرة فقط! ثم نظر إلى العمة فوجدها تتطلع إليه طويلاً وأردف قائلاً:
كنت أظنها عشرة آلف وخمسمائة. في الحقيقة أسعاركم ممتازة وهي أقل من إيجار
غرفة في فلوريدا.
المحاسب: هذه تكلفة الإقامة فقط سيدي. لكن تكاليف العلاج يقومون بحسابها وستصلك بعد قليل.
كمال وهو يتلفت يمينا ويساراً: أين ذهب رعد؟
العمة: ربما لا يعود إلا بعد ساعتين.
كمال:
أستأذنكم في الرحيل لحضور اجتماع عاجل. لقد وصلت رسالة للتو على جوالي.
كنت أود المساعدة لكن الأفضل أن تنتظروا رعد حتى يراجع الحساب بنفسه.
ياه.. تصوروا لقد نسيت حاسوبي المحمول في صالة الانتظار السفلى.
خرج كمال مهرولاً وهو يتمتم بكلمات ويطمئن نفسه أنه سيجده.
العمة: لقد نسى جواله. احتفظي به حتى يعود.
مدت سارة يدها لالتقاط الجوال وهمت بوضعه في حقيبتها إلا أنها لاحظت صورة فتاة شقراء كخلفية للشاشة مما أثار غضبها وقالت لعمتها:
سارة: أرأيت يا عمتي إنني على حق عندما خلعت خاتمه.انظري صورة فتاة غيري على جواله.
العمة: لا تتسرعي حتى تعرفي الحقيقة. ما أدراك فربما كانت أخته.
سارة: لا يا عمتي. أعرف أخته هايدي جيداً، لا يمكنني حمل جواله معذرة سأتركه على المقعد كما كان. بدأت
اقلق على رعد. لقد تأخرنا والطبيب أوصى بسفرها في أقرب رحلة.
العمة:
حسنا فلنسرع بمراجعة الفاتورة مع المحاسب في الدور الأرضي. ثم قاما فخرجا،
وبعد خمس دقائق وصل ماجد بهيئته التنكرية ووجد غرفة الانتظار خالية. أخذ
الجوال وتفحصه جيدا فعرف أنه يخص الدكتور كمال ففتح حقيبته بحذر ووضعه
بداخلها بعد أن قام بإغلاقه وحاول أن يدخل ليرى والدته فلم تسمح أحد
الممرضات له برغم من إلحاحه.
فكر ماجد في أن يسافر سريعاً إلى البحرين
حتى لا ينكشف أمره ويوضع على قائمة الممنوعين من مغادرة المملكة. صار
متأكدا من أن سلطان أبلغ عنه الشرطة أثناء التحقيقات.
فضل ماجد النزول على السلالم الخلفية حتى لا يراه أحد ويتعرف عليه في المصعد وذهب مباشرة إلى قسم الحسابات.
ماجد: أود تسديد جميع أتعاب الغرفة 405 من فضلك.
المحاسب:
ولكن المدام التي انصرفت منذ قليل أكدت أنكم لا تستطيعون الدفع اليوم!
انتظر لحظه.. ثم تركه ليفض المشاجرة الحامية بين كمال وأحد العاملين
بالمستشفى.
كمال (بصوت عال): لن أتركك إلا بعد أن تعطني حاسوبي يا حرامي.
العامل: اقسم لك إنني لم أره مطلقاً.. بل أنت المهمل.. كيف تترك حاسوبك المحمول بعيداً عنك؟!
كمال:
أتعلمني يا جاهل.. أنا دكتور في أمن المعلومات. اطلبوا الشرطة له. الجهاز
به معلومات سرية عن منشات أمريكية هامة لا تقدر بثمن وستكون مشكلة
دبلوماسية إذا لم يرجع الحاسوب خلال أربع وعشرون ساعة.
ذهب ماجد للمحاسب وجذبه من يده قائلاً: لا يوجد وقت لدي. خذ ثلاثون ألف ريال وأرجوك أن تكتب اسمي كفاعل خير.
ثم سار بعيداً وهو يبكي بصوت خفيض ويقول لنفسه معاتباً:
ماجد:
أتسرق وقد عزمت على التوبة يا ماجد؟! لن تقبل صلاتك ولن ترى أمك أبداً إلا
بعد أن تتخلص من تلك الحقيبة اللعينة. وسار إلى نهاية الشارع واختفى وهو
يحملها على ظهره ويفكر في كيفية التخلص من تلك الأوزار.