يوميات رعد العبقرى الحلقة السادسة: القنبلة الرقمية

[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]

الحلقة السادسة: القنبلة الرقمية

منظر
رائع وأنت تتمدد على أريكة مريحة وتتسامر مع أصدقائك على ضفاف نهر
المسيسبي بأمريكا. هذا النهر الطويل الذي سمحت له البنايات الشاهقة من
اختراقها يعكس أشعة الشمس البرتقالية. لكن الدكتور كمال زهران أو ما يطلق
عليه الطلاب غير الأمريكيين "مسيو كمالو" صار منزعجاً من فاتورة حساب
مشروبات البرتقال المثلجة لأصدقائه أعضاء هيئة التدريس بالجامعة، لكنه
تدارك الأمر ودس يده ببطء في جيوبه فلم يجد غير صورة سارة خطيبته. يبدو
انه نسي محفظة نقوده. غير أن هذه المرة لم تكن الأولى التي يفعل فيها ذلك.
فمنذ أسبوع تهامس زميلان له على بخله. ولم ينقذه من هذا الموقف المحرج إلا
اتصال سار هبه فتظاهر بالانشغال بالمكالمة و قام من مكانه سائرا بجوار سور
المقهى حتى لا يسمعه أحد.





سارة:
كمال.. أعلم أنك مشغول كالعادة و لكن لي طلب عندك.. أرى أن نؤجل الزواج
عدة شهور بسبب ظروف الوالدة و أشياء أخرى حدثت في المنزل وجعلتنا في حالة
من الارتباك.. سأشرح لك فيما بعد.
كمال: مرض الوالدة ليس خبرا جديدا. لقد بدأت إجراءات الحصول على إجازة من الجامعة و اشتريت تذاكر السفر.

سارة: اعذرني يا كمال .. أؤكد لك أن ظروفي غير مناسبة لكي تصحبني معك.
كمال: المشكلة أنهم سيخصمون 5% من سعر التذكرة إذا قمت بتأجيل السفر.
سارة: آه .. للمرة الألف أقول لك إن نقودك ليست أهم من مشاعري.
كمال: كيف سأتحمل هذه الخسارة؟ إنه مبلغ لا يقل عن 200 دولار بأي حال من الأحوال!
سارة: حسنا أغلق السماعة الآن.
كمال: ماذا حدث؟ إنني فقط أوضح أنني ...
أغلقت سارة السماعة و لم تعط له فرصة ليكمل جملته.
عاد د.كمال إلى مقعدة و قد تغير لونه بشكل ملحوظ إلا أن صديقه مايكل أراد أن يلطف الأجواء ببعض النكات قائلا:
مايكل: جوال هذا أم فردة حذاء؟!
نظر له كمال باستخفاف ولكنه تصنع بسمة سريعة و قال له بهدوء:
كمال: لا أفضل شراء الجوالات الحديثة.. فطالما يعمل فلماذا أحيله للتقاعد و ألقي بنقودي في جيوب التجار؟
وهنا تدخل زميل آخر و هو ضيف على المجموعة بالتفلسف قائلا: سيظل الإنسان منبهرا بالمحمول حتى يصير هو نفسه محمولا.
كمال: أتقصد محمولا على الأعناق.. ميتاً؟!
مايكل(بلهجة مصرية): وحدوه
كمال:الآن فقط أؤكد لك أنك أجدت اللغة العربية بلهجة مصرية.
مايكل:
أنسيت أن ابنتي تزوجت مصريا. كما أن لي صديقا عربيا آخر اسمه مفتاح، كنا
نخرج سوياً ونذهب إلى السينما وعندما ضاع وسط المتفرجين لم احزن عليه
كثيراً .. ثم ضحك وقال : فلدي نسخة أخرى منه.
الضيف: اشعر أنني ثلاجة خاوية. أين اللحوم يا سادة..أليس فيكم رجل رشيد؟
تمتم د.كمال في سره قائلا: يا لك من ضيف ثقيل تشبه الرجل المرسوم على علب السجائر.
الضيف: كمال.. هل انتظر مفاجأة أم أختار من القائمة؟
كمال (في سره) : أمثالك يلزمهم طاجن كبير من الكبسة المسمومة.
ثم ضحك قائلا: نحن في قلب أمريكا لنجعلها عزومة أمريكاني.
مايكل: أين الكرم العربي إذن؟
كمال: هل قالوا لكما أنى حاتم الطائى! ثم إنى غريب و انتم أهل الديار.
الضيف (وهو ينادي) : اللحوم.. أين المشويات؟
وهنا
دق قلب د.كمال بنفس صوت نغمة الجوال كأنها رباعية حزينة للوتريات من مقام
البياتى. ثم دس يديه في جيوبه لعل الجامعة وضعت الراتب مباشرة فيها بدلا
من أجهزة الصراف الآلي.
كمال (يغير الحوار): أتعرفون
ماذا حدث لبريدي الإلكتروني منذ أيام. لقد تعرض للتخريب من قبل بعض الطلبة
الذين رسبوا في مادة أمن المعلومات. لذا قاموا بتوجيه قنابل لبريدي
الإلكتروني.
مايكل: كم أنت قاسٍ مع طلابك يا دكتور كمال. أليس غريبا أن يحصل الطالب المتفوق عندك على عشر درجات من عشرين؟!
كمال:
أمن المعلومات ليس بالمادة البسيطة. لابد من أن يتعلم الطالب أصول هذا
العلم حتى لا نخرج أعدادا لا يقدرون على حماية حاسباتهم الشخصية. فماذا
تتوقع إذا عمل أحدهم بأحد الوزارات أو الشركات الحساسة! يا صاحبي إن موضوع
أمن المعلومات موضوع في غاية الأهمية لأنه ينعكس على مصالح المتعاملين مع
الحواسيب وطرق أدائهم لأعمالهم، كما أنه ربما يفوق كثيراً من أنشطة البحث
العلمي الأخرى في حقل تقنية المعلومات والاتصالات.
بدأ الضيف يتملل من تأخير الطعام و طول الحديث بين زميليه فأراد أن يغير الحوار إلى حيث يريد فبادرهم بالقول
لكن
مايكل عاد ليستفسر عما حدث لكمال تحديدا مع طلابه. و مرت عشرون دقيقه و
كمال مندمج في الحديث عن طريقة توصله لأسماء الطلاب المخربين.
وما لفت
انتباه مايكل هو تأكيد كمال على أن الهجوم بقنابل البريد الإلكتروني يتطلب
القليل من الخبرة التقنية ويمكن إن يتم تنفيذه بشكل مؤتمت كما يتمكن
المهاجم من محوِ آثاره عبر استخدام خادم إنترنت آخر كجسر عبور إلى النظام
المستهدف. وتعجب من قول صاحبه إن القنابل الرقمية قد تلحق الضرر ببعض
الأنظمة من دون قصد تماما كما هو الحال بالنسبة للقنابل الحقيقية لدى
انفجارها. و فكر كثيرا في طريقة تنفيذ هذا الهجوم.
أحس كمال بمرور الوقت سريعا و تملل ضيفهما من الحديث فأراد كمال أن يشركه معهما قائلا و هو يلتفت إليه بخفة:
كمال:
تصور لم أتعرف على اسمك إلى الآن .. تصور يا رجل أن الطلاب تعمدوا إرسال
ملفات ضخمه لي على بريدي الإلكتروني حتى أن أحد هذه الملفات كان بحجم 10
ميجا بايت حتى يغرق بريدي في محاولات تخزين هذه الملفات ولا أستطيع
استخدامه.
الضيف: أسمي الرجل الجائع .. شيء مثل الرجل العنكبوت والرجل الوطواط ...
مايكل: دعنا نعرف كيف نحمى بريدنا الإلكتروني من تلك الهجمات. إني مهتم للغاية بهذا الموضوع.
كمال:
هناك سهوله في منع هذه الهجمات. للأسف لم أحضر الحاسوب المحمول الخاص بي
ولكن يمكنك أن تتخيل معي، فبريدي الإلكتروني على "Hotmail" وكل ما فعلته
هو إنني فتحت بريدي الإلكتروني وذهبت إلى علبة البريد الوارد "Inbox"
واخترت كلمة اختيارات "Options" الموجودة على يمينه ثم اخترت "Mail
Handling" واخترت أول اختيار بعد ذلك وهو "Junk Mail Filter" ثم اخترت
"High" حتى لا يصل أي بريد إلكتروني من شخص لا أعرفه مباشرة في علبة
الوارد ولكن يدخل في مجلد "Junk mail".
في حال اتخاذ الاحتياطات اللازمة من قبل مسؤولى خادمات البريد الإلكتروني فيمكن إيقاف هذه القنابل في مصدرها و معاقبة المسيئين.
الزميل(بسخرية):
أفضل مثال على هذه القنابل هو ثرثرتكم هذه التي لا أجد أي طائل من ورائها
إلا تعطيل معدتي عن أداء دورها. انتم مسؤولون عن رفض التخديم الذي حدث لها
"DoS" مما يضعكما أمام طائلة القانون.
كمال ضاحكا: بدأت تتكلم بلغة
خبراء أمن المعلومات يا رجل. لكنني واثق من أنك لا تعرف الكثير عن هجمات
"DoS". ما علاقة الهندسة المعمارية بأمن المعلومات؟ يكفي الآن أن أقول لك
أن كثرة طلباتك الغذائية أنت ومايكل في هذه الأمسية تتعدى مقدرتي المالية.
لذا لم أعد قادراً على الوفاء بالمزيد منها. وتبدو جيوبي مثل أحد المواقع
على شبكة الإنترنت حاول عدد كبير من المخربين إرسال طلبات كثيرة له
لإشغاله وإجباره على التوقف عن العمل، مثل إدخال كم كبير من الحروف
الهجائية والرموز في حقول حانة اسم العميل أو العنوان.
الضيف:
أين طلباتنا هذه؟! أنت لم تعزمنا إلا على كاسين من عصير البرتقال. صحيح
أنا معماري ولكن المعمار يدخل في كل شيء بداية من الذرة وحتى ناطحات
السحاب. وأيضا لا تنس أن من أراد أن يهزم عدوه، أتقن لغته. ولكن كل ما
تقوله لن يعوضني عن طبق أرز بالكاري عليه قطعتين من الكباب المشوي.
وهنا
ضحك الجميع وتلقى كمال الاتصال الثاني من خطيبته فلم يرد ظناً منه أن هذه
الطريقة هي المناسبة للرد على طلبها تأجيل الزواج. انتظر رعد كثيراً على
الهاتف دون جدوى. أراد أن يسأله عن بعض الأمور الفنية التي ربما تقود إلى
حل لغز الخاطفين. فعندما فتح بريده الإلكتروني وجده معطلاً لكثرة الرسائل
التي تحتوي على ملفات كبيرة الحجم. غير أنه قام بالذهاب لغرفة ماجد وعمل
مسح كامل "Scan" لحاسوبه عله يعثر على حصان طروادة المتسبب في التجسس عليه
أو أن يصل إلى ماهية الذين يرسلون له قنابل إلكترونية فيعطلون البريد
الإلكتروني الخاص به. ولحسن الحظ انه حصل نسخة من برنامج مكافحة الفيروسات
"Avast Anti Virus" وبعد مضي دقيقة من عملية المسح ظهرت رسالة تكشف له
وجود برنامج تجسس بالحاسوب وهو نوع خطير من أحصنة طروادة. فيبدو أن ماجدا
قام بتحميل برنامج لتعديل مقاسات وأحجام الصور قريباً من موقع غير آمن
ويعتقد رعد أن البرنامج قُدم في الموقع كهدية مجانية من أحد المخربين
الذين يندسون وسط المنتديات، بعد أن قام بزرع حصان طروادة بالبرنامج
ليتجسس من خلاله على أي جهاز ضحية يقوم بتحميل وتشغيل هذا البرنامج الذي
يبحث عنه المستخدمون عادة لأهميته.