"يوميات رعد العبقرى"الحلقة الأولى :كلمة المرور .. العمة نورا

[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]

الحلقة الأولى : كلمة المرور .. العمة نورا

أشعر أن اليوم سيحمل لي بعض الأحداث
السارة بعد سنوات عجاف . فبعد أن تركنا الوالد وحال الأسرة يصعب على عامل
النظافة الذي اعتاد على قرع الباب بقدميه وأحيانا يتخفى في منزلنا كجندي
في حصان طروادة "[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]"
ويقوم بمهاجمة أي جار ومطالبته بالبقشيش وكثيرا ما يتسبب في نقص مواردي
المالية ويجعل جيوبي تبدو كقرص صلب "Hard disk" أعيد تهيئته للتو .. لكن
وقتنا يبدو ثميناً كرجال الأعمال .. صحيح أن لدى كل منا حاسبه الشخصي الذي
يعيش فيه عالمه الخاص ويشكو إليه همومه ويخفف عنه فيروساته .. إلا أننا
نعيش في عزلة إنسانية .. وبعد أن كنا نلتف حول منضدة مستديرة يعلوها صحن
من الكبسة ، لتبادل الضحكات والأحاديث الدافئة مع الوالد . صار اشتراك
الانترنت السريع "DSL" هو ما يلم شمل الأسرة ، وغابت الابتسامة التي كانت
تميز صورتنا الجماعية المعلقة في مدخل البهو الرئيسي للقصر .. أقصد غرفة
استقبال الضيوف لشقتنا الضيقة التي كنا نراها قصراً أثناء حياة الوالد
والتي تحولت إلى ملجأ للأسلاك التائهة التي تربط حواسيبنا .. بالرغم أنه
يقضي أغلب الوقت في مقهى الإنترنت "Internet Café" مع أصدقائه .





تحول البهو إلى غرفة معيشة لأخى ماجد الهاكر "Hacker" الصغير كما
أناديه دوما . أما أختي العصبية سارة فهي منهمكة على برنامج المحادثة
الإلكترونية منذ ساعتين في مناقشات حادة مع خطيبها الدكتور في أمن
المعلومات بالولايات المتحدة . للوالدة حق في غضبها الشديد من تصرفات أخي
ولكنها طيبة وتدعو لي في صلاة الفجر .

نعم
.. ربما لهذا السبب أبدو متفائلاً وربما أيضا بسبب كارت المعايدة الذي
وصلني من مجهول على بريد موقعي الالكتروني . فلولا موقع توصيل الوجبات
"رعد أون لاين" ، الذي أديره على شبكة الانترنت ، ما تمكنا من شراء أواني
لأختي التي تستعد للزفاف بعد أسبوعين .

تبدو عقارب ساعتي منهكة وهى
تشير إلى الثانية بعد منتصف الليل . لكني لم انته بعد من الرد على البريد
الالكتروني الوارد من وكيل كلية الآداب بالجامعة .. دائماً ينسي الدكتور
هاشم أنني تخرجت في الجامعة منذ عام .. لكنه طيب القلب ويحب تطوير العمل
ويشجعني كثيراً على كتابة مذكراتي وأحيانا أرسلها له ليقرؤها مع أولاده
الصغار .. تعرفت عليه منذ أربعة أعوام .. تحديداً أثناء مسابقة أدبية
نظمتها كلية الآداب بالجامعة واشتركت فيها أنا وزملائي من قسم هندسة
اتصالات .. ولا أنسي أنه أول من أطلق علي لقب العبقري الذي اشتهر به
حالياً بين معارفي بعد أن تمكنت من اختراق موقع اليوتيوب "YouTube" وحذف
احد اللقطات التي بثها احد الطلاب الفاشلين للنيل من هيبة ومكانة الجامعة
والتعرض لأعضاء هيئة التدريس فيها .. وهو يطلب مني حالياً مساعدة الجامعة
في تعقب احد الهاكرز كما يسميه العامة أو لقب المُخرب "Cracker" كما
يعرفه المتخصصون وهذا النوع من المساعدة لا أتردد في قبوله حيث يمثل لي
نوعاً من التحدي وهو نوع بسيط من رد الجميل لأستاذ فاضل .. كما يبرر للناس
سبب عدم اهتمامي بتنسيق شعري . فكلما سأل أحد الزملاء عني في الحارة التي
نعيش فيها . رد الأخر على الفور "رعد .. أتريد صاحب الشعر المنكوش ؟!" ..

ترك رعد القلم وأسرع إلى لوحة المفاتيح كأنه تذكر شيئاً هاما وبدأ يقرأ سريعا ً ما كتبه في الايميل :

" أخي الفاضل الأستاذ الدكتور هاشم زين - وكيل كلية الآداب

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ،

أشكركم
كثيراً على ثقتكم الغالية . ولكنكم تعرفون أنني تركت الجامعة منذ عام ولم
أكن موجودا عندما قمتم بشراء الخوادم الجديدة وإنشاء شبكة لاسلكية لأعضاء
هيئة التدريس بمبنى الكلية .. لذا لابد من دراسة نقاط الضعف في الشبكة
الجديدة على الطبيعة .. لا أريد أن أشغلك بالتفاصيل لولا علمي بإهتمامك
بمعرفة التفاصيل .

كما تعرف أن اختراق الشبكات اللاسلكية بات منتشراً هذه الأيام , والمعروف باسم "[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]"
وهي عملية التجول بالسيارة للبحث عن شبكات لاسلكية غير محمية و القيام
باختراقها. تصور أستاذي انك لو قمت بتشغيل أي برنامج باحث عن الشبكات
اللاسلكية سوف تفاجئ بوجود عشرات الشبكات في منطقتك التي تسكن فيها واغلب
الشبكات غير محمية بكلمات مرور قوية وغير مؤمنه بشكل سليم , وهذا ما يسهل
عمل الهاكرز والقيام باستخدامهم لشبكات الغير سواء للقيام بعمليات اختراق
ولغرض التخفي ، أو لغرض اختراق الشبكة نفسها والقيام باختراق أجهزتها ،
والقيام بعمل مسح للشبكة والتجسس على المعلومات الصادرة والواردة إليها
.وهذا ما أرجح حدوثه بالكلية . أيضا يجب أن أعرف أنواع التشفير للشبكات
اللاسلكية الموجودة بمبنى الكلية. أخي العزيز .. سأزوركم بالكلية قريباً
بإذن الله لأعرف ماذا حدث تحديداً " .. تحياتي الطيبة .. أخوكم / رعد .

من
عادة رعد انه عندما يرى سطح المكتب ""Desktop فإنه ينسى كل شيء آخر ، إلا
صوت أمه فهو كلمة المرور Password التي تجعله يترك إبداعاته ويهرول إليها .

الأم :
ولدي أن عمتك نورا قادمة مساء اليوم من أبها وأود أن تستقبلها في المطار
.. ولدي لم أعد احتمل ذلك الشجار الدائم بين سارة وماجد .. ولدي إنني كبرت
وأود الاطمئنان عليك قبل أن .... وهنا قاطعها رعد رابتاً على كتفيها في
رقة قائلا :

رعد : ربنا يعطيك العمر المديد .. ثم
غير لهجته للمزاح قائلاً : أعرف انك ستٌذكريني أيضاً ببنت عمتي وهج وكيف
أن لديها ابتسامة كابتسامة الإبل أو أسنان الماعز لا أتذكر ! لكني أؤجل
هذه الأمور لبعض الوقت حتى يأتينا دخل شهري ثابت . أمي .. لا أدري ماذا
أفعل لأخي ماجد ؟ .. يظن نفسه كبير العائلة ودائماً ما يكون هو السبب في
إثارة المشكلات مع سارة . لا أخفيك أنني أخشى عليه من جلوسه لساعات طوال
في مقهى الانترنت وكثيرا ما نصحته ألا يحاول اختراق موقعي وتحويل وجبات
المندي لأصدقائه . لقد خسرنا بسببه خمسمائة ريال هذا الشهر . إنه يعيش
مراهقته بطريقة مستفزة للغاية ويسمي نفسه إمبراطور الاختراقات ! لابد من
إبعاده عن الشلة التي تعرف عليها مؤخراً .فهم كما يفحطون بالسيارات يفحطون
بالحاسبات أيضاً !

الأم : لا أريد سماع المزيد من المشاكل بينكم .. أنت ولدي الكبير . أرى أن استضافة عمتك لمدة شهر ووجودها بينكم سيصلح الحال بإذن الله .

رعد : أوعدك بتنفيذ كل تريديه . إلا موضوع وهج .. صاحبة الابتسامة الصافية .

أدرك
رعد أن من واجبه عمل صلح سريع بين الأخوين . لذا تظاهر بأنه مشغول بتغيير
كلمة المرور الخاصة بموقعة على الانترنت ودعا كل منهما لمساعدته في ابتكار
كلمة مرور قوية .

رفض ماجد في البداية الفكرة واستخف بها .. ولكنه
عاد واستجاب تحت إصرار أخيه بشرط أن يشارك من مكانه بالقهوة من خلال الشات
وكادت أن تحدث مشاجرة كلامية أخرى في الهاتف بينه وبين سارة لولا تدخل رعد.

رعد :
تعرفون أنني أقوم بتغيير كلمة المرور الخاصة بالموقع كل أسبوع .. لا أريد
كلمة مرور ضعيفة ولا معقدة فيصعب تذكرها .. أريدها مكونة من عشرة خانات ..
حروف وأرقام .. نبدأ بسارة .. ما رأيك ؟

تظاهرت سارة بالتفكير
العميق وهى تعرف في قرارة نفسها أن خطيبها قد استحوذ على كامل المساحة
المتوفرة في ذاكرتها .. وفجأة انفجرت بالضحك الهستيري !

رمقها رعد بنصف عين وهو يقول ببطء مقصود :

رعد :
أعلم أن هناك تقنيات عديدة للتعرف على المستخدم مثل بصمة الأصبع واليد
والوجه والعين والصوت ولكنها المرة الأولى التي أسمع فيها عن تقنية
القهقهة هذه .. كيف يمكنني كتابتها ككلمة مرور ؟!

سارة : لا .. آسفة لا تحسبني مجنونة .. كل ما في الأمر أنني تذكرت شيئا أضحكني ..

رعد : نسيت الابتسامة منذ زمن .. اضحكينى معك .

سارة : هيا تعال اقرأ بنفسك . وقربت إليه الحاسب المحمول الخاص بها ووضعته على طاولة صغيرة وهى تداري ضحكتها المنفلتة .

راح رعد يقرأ ما تشير إليه أخته وكأنه بريد الكتروني أرسله لها خطيبها :
حبيبتي سارة ...

أنتهز
فترة الراحة أثناء حضوري اجتماع مجلس إدارة الشركة وأبلغك بأنني شعرت
بالحرج الشديد أثناء تقديم عرضي المرئي لزملائي الأعضاء . فبدلاً من أن
اعرض لهم شريحة توضح صور بعض الأجهزة التي تحلل الانبعاث الكهرومغناطيسي
بغرض سرقة المعلومات من الحاسبات . عرضت صورك الخاصة التي ارسلتيها لي ..
مما أثار خجلي طوال الاجتماع ..

رعد : موقف لا
يحسد عليه حقاً .. أضعت مستقبله قبل الزواج .. ماذا ستفعلين بعده ؟ .. ثم
تغير وجهه للجدية قائلاً : لاحظت أنك تتنقلين كثيراً بين المنتديات
والمواقع غير الآمنة .. مؤكد إنني سأتعب كثيراً هذه الليلة في تنظيف جهازك
من الفيروسات ""Viruses.

تظاهرت سارة بالتماسك وقالت بصوت جاد :

سارة : وجدتها .. "فالح" على اسم الوالد .

رعد : يا فالحة .. لا تستخدمي كلمات المرور التي يسهل تخمينها مثل اسمك ، اسم الوالد ، .. وغيرها)

سارة : ما رأيك نسميها "ليلى" ؟

وهنا تمتم رعد بصوت خفيض : أعلم إنني سأندم على دعوتكما لمساعدتي ولكن ماذا أفعل .. سأستمر لأنال رضا الوالدة .

رعد :
أولا ً كلمة المرور ليست مولودة حتى نسميها .. ثانياً .. قلت أريد خليط من
الحروف والأرقام والرموز .. يكون طولها أكثر من عشرة خانات وحاولا أن تكون
عشوائية قدر الإمكان .

جاء رد ماجد متأخراً كعادته على برنامج
المحادثة الالكترونية وهو يقترح كلمة مرور ممتازة كما وصفها رعد وكانت "
"rt9s@Hj6u3_irGولكن هناك احتمال أن يكون أحد القراصنة قد تلقفها في نفس
اللحظة . كما أن الجرسون دائما ما يلتصق بالشاشة ليقرأ ما عليها وهو يضع
الشاي لمرتادي القهوة .. كيف سيقبل رعد بكلمة مرور أرسلت له عبر المحادثة
الالكترونية ؟!

فكتب له مازحا "أنت عبقري .. مبروك ربحت مليون ريال" تم تمتم في سره :

رعد : لن ادعك أنت وزملائك تهنئون بالمزيد من وجبات المندي ؟! .. سارة ماذا تفعلين ؟!

سارة : أكتب كلمة المرور لأحفظها في مستند خاص بكلمات السر الخاص بي .

رعد :
أرجوك .. لا تخزني كلمات المرور على الحاسوب مهما كانت الفائدة التي
تظنيها .. وأيضاً لا تكتبيها على ورقة وتضعيها تحت لوحة المفاتيح أو على
الشاشة . واقترب منها هامساً في أذنها:

رعد :
الغي هذا الملف فوراً .. لا.. انتظري .. لدي برنامج لطمس الملفات وحذفها
نهائياً من الحاسب .. فعندما تضعين ملفاتك في سلة المهملات يسهل على
المخترقين استعادتها حتى وإن أكدتي عملية الإلغاء . أخشى أن تكوني أيضا من
القوم الذين يعلمون على الخيار الخاص بالاحتفاظ بكلمة المرور .. ثم حملق
في عينيها قليلاً ليقرأ الإجابة واضحة وبالبنط العريض .

خرج ماجد
من المحادثة الالكترونية بدون استئذان كعادته . ربما اتفق مع أحد أصدقائه
بالجوال على قضاء ليلة يبدو فيها القمر كوجبة المندي الطازجة .

أو
ربما اتفق مع أصدقائه على خطة لمعرفة كلمة المرور الجديدة .. أعلم جيداً
أن لديهم برامج يداولونها فيما بينهم لتصديع كلمات المرور ولكن بالرغم من
سرعتها الفائقة والتي تستطيع تجربة ملايين الكلمات في الثانية الواحدة إلا
أنني اخترت كلمة طويلة لا توجد في قاموس مفردات اللغة وغير تقليدية ..
إنني اعتبرها كمفتاح شقتي الخاصة لا يمكن إعطائها لأحد مهما كان ويصعب
بالتأكيد تدوينها في مذكراتي .. ستعيش في ذاكرتي مع أخواتها كلمات المرور
القديمة كطفلة مدللة لبضعة أيام .. مثل زيارة عمتي نورا لنا .. غير أنني
لست متأكداً من أنهن يعشن في سعادة .

الساعة الآن تشير إلى العمة نورا وهى تجلس بيننا بنشاطها وقفشاتها لتذكرنا بما كان يفعله أبي معنا ..

وحدي
الآن في الغرفة .. أتأمل تقاسيم الجدران وسط الأضواء الخافتة لعلي أجد
كلمة السر التي تؤرقني .. كلمة المرور التي تجعلنا نعيش في سعادة .. أهي
الحب .. المال .. التضحية .. مازلت أتأمل حتى صدح آذان الفجر يملأ الفضاء
.. الله أكبر ... الله أكبر ..