[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط] رعد : انتظر لحظة .. من أنتم ؟!
انقطع
الخط وراح رعد يستكمل ما كان يقرؤه بينما أكدت العمة أن الشرطة وعدتها
بالقدوم لجمع المزيد من المعلومات والبدء فوراً في البحث عن ماجد. وهنا
اقترحت سارة أن تعيد العمة الاتصال بالشرطة لإبلاغهم بطلبات ذلك المتصل
المجهول وإعطائهم رقم هاتفه الذي مازال يومض كأنه قنبلة موقوتة .. الساعة
تشير إلى الرابعة فجراً وهو موعد استيقاظ الوالدة لأداء الصلاة.
سارة : أرى ألا نوقظ أمي اليوم.
العمة : ستعرف عاجلا أم آجلا. فعندما تأتي الشرطة سيعرف الحي كله. سأقول لها. ولا ينبغي أن نخفي عنها شيئاً.
رعد وهو يحملق في شاشة الحاسوب:
يإلهي .. ما هذا ؟! ثم استدرك قائلاً : لا شيء .. لا عليكم .. فقط لقد
التبس علي أمر ما. وأثناء انصرافه من الغرفة لمح سواقة الاسطوانات تُفتح
وتُغلق بدون أن يقترب أحد من الجهاز ففهم أن حاسوب أخيه مُخترق من قبل أحد
المخربين.
أيقن رعد أنه سيؤذي ماجد
كثيراً إن عرفت الشرطة والأسرة ما كان يفعله أخيه. عاد ليغلق الجهاز وكأن
شيئاً لم يكن. وذهب بهدوء إلى غرفته يفكر فيما قرأه، بينما انخرطت سارة في
بكاء طويل.
أيعقل أن يكون ماجد عضوا في شبكة المخربين الذين يطلقون على
أنفسهم منظمة الهاجانا الإلكترونية والتي يمتد نشاطها حول العالم،
والمتخصصة في السطو على البيانات وتخريب الخوادم والحواسيب. أخطر ما في
الأمر أنههم حاولوا عدة مرات السطو على معلومات من خوادم كبرى الشركات
الدولية. كيف سيكون الوضع إذا عرفت الشرطة هذه الأمور؟!
وما سر تلك
المحادثة الهاتفية التي أجراها مع من تسمي نفسها صاحبة الوردة السوداء؟
لقد أشار إلى تلك المحادثة عدة مرات في البريد الالكتروني الذي أرسله
لصديق لبناني يدعى جورج موريس. وربما كان لذلك علاقة باختطافه. ولابد أن
يكون أحد أفراد المجموعة التي ينتمي إليها هو الذي يعبث في الحاسوب. فمن
المؤكد أنه استخدم أحد برامج الأحصنة الطروادية كبرنامج "Back Orifice".
حيث يعلم رعد جيداً أن برنامج "BO" يمكن أن يكون قد انتقل لحاسوب ماجد عن
طريق أحد رسائل الصور المتحركة الجذابة أو بعض الرسوم التفاعلية المسلية
أو تلك التي تؤدي بعض المهام المفيدة. وغالبا ما يتم إرسال مثل هذه
الرسائل عن طريق البريد الإلكتروني كحصان طروادة.
وفجأة صاح رعد غاضباً:
رعد : غبي .. غبي .. ثم واصل عتابه لماجد
بصوت منخفض قائلاً: لما تفعل ذلك بنا؟! ألم يكفك مرض الوالدة وكثرة الديون
علينا؟! الآن من المفترض أن أسافر مع أمي وفي الوقت نفسه مطلوب منا تسديد
مائتي ألف دولار لإطلاق سراحك .. والشرطة قادمة. ألا تعلم أن السير في نفس
الطريق مع المخربين آخره ظلام؟! ليتك كنت متمكنا من أدواتك. فصندوقك
مخُترق! آه .. لقد توقف عقلي عن التفكير.
الأفضل أن أقوم بطمس
الملفات التي قرأتها في حاسوبه .. نعم .. هذه هي الطريقة الوحيدة لحذف
الملفات نهائياً من الجهاز . ربما أكون شريكاً في الجريمة بفعلتي هذه. لكن
أمي لن تحتمل غياب ماجد أو مجرد التحقيق معه. كان على رعد أن يقوم
بالاختيار من بين عدة برامج لطمس الملفات . فلديه برنامج "BCWipe" و "File
Deleter" و "SafeErase" وغيرها من البرامج التي يحتفظ بها في مكتبته
الخاصة . المشكلة الوحيدة هي أنه لا يعلم تحديداً متى ستصل الشرطة . لذا
عليه أن يبدأ من الآن في إتمام هذه المهمة الثقيلة .
دخلت العمة نورا
في غرفة ماجد وأخذت تراقب رعد وهو منهمك في إلغاء الملفات. تريد أن تسأله
ماذا يفعل حتى تفهم. وبعد تردد حسمت الأمر وقالت له:
العمة : ألم تلحظ معي شيئاً غريباً حدث لسواقة الاسطوانات؟
ماجد ( وهو يلتفت نحوها ) : عمتي .. أود أن نعاود الاتصال بالشرطة صباحاً لنعتذر عن البلاغ.
العمة : نعتذر! لا أفهم كيف تفكر .. ولماذا لم تجبني على سؤالي؟
رعد : لقد أجبتك عمتي ولكن الموضوع معقد. عمتي .. أود أن اعترف لك بشيء ، لكن أتمنى أن يكون سرا بيننا.
العمة : أنا في مقام ولدتك شفاها الله وعافاها.
رعد :
وأنا أيضاً اقدر تعبك معنا ووقوفك بجانبنا. أود أن أقول انك سألتيني عن
طبيعة عملي عدة مرات وفي كل مرة أتهرب من السؤال. ولكن حان الوقت أن تعرفي
بأني ...
تدخل الوالدة ببطء وهى تستند على عكاز وتمسكها سارة من يدها الأخرى وتقول في تأثر:
الوالدة ( والدموع تترقرق في عينيها ): أتترك أخاك مخطوفاً يا رعد وتجلس تلعب على الجهاز؟ هيا .. انزل فورا
وابحث عنه مع باقي رجال العائلة. كلمة واحدة .. لن أسافر إلا مع ماجد.
ابني حبيبي ماجد يا ترى أين أنت؟
يقف رعد ثم يقترب من والدته وينحني
ليقبل يديها قائلاً: لا تقلقي يا أمي بإذن الله سنجده وأنا الآن أحاول أن
اعرف محتوى المراسلات التي كان يتواصل بها مع معارفه وهذا هو أقصر الطرق
لتجميع معلومات للوصول إليه. تتدخل سارة وهي منفعلة ملوحة لرعد بالنزول.
حتى كادت الوالدة أن تفقد توازنها وتسقط بسبب ذلك لولا أن سارة سندتها
بقوة وأعادتها إلى غرفتها على مهل.
رعد ( بحزن ) : أحيانا يا عمتي أحس أن والدتي لا تفهمني أبداً. وأخاف أن تغضب مني في حين أنني أفعل التصرف الصحيح!
العمة :
ومن قال لك أن جميع تصرفاتك لابد أن تكون صحيحة؟ بالعكس يجب أن تفترض
الخطأ فيما تفعله والصواب فيما يقوله لك الأكبر منك سناً ومقاماً، خاصة
أمك.
رعد : ولكن الكبير في معظم الأوقات لا يساير العصر والتقدم التكنولوجي المذهل وبالتالي يناسب توجيهه عشرة سنوات مضت.
العمة :
الأمر ليس كما تراه يا رعد. فالله تعالى أمرنا في القرآن الكريم بطاعة
الوالدين. ودائماً الكبير لديه من الحكمة ما لا تتخيله، بينما أنتم الشباب
متحمسون وتظنون أنكم على صواب دائما. أتذكر يوماً قالت لي جدتي وهى التي
لا تعرف القراءة والكتابة ألا أبيع الأرض التي كنا نملكها بعد وفاة الوالد
ولكنني صممت وقتها على بيعها لأن العائد المادي كان مائة ألف ريال. الآن
أندم على ذلك. فسعر هذه الأرض حالياً تضاعف عشرات المرات. كنت مثلك غاضبة
ومصممة على تنفيذ ما أفكر فيه وأظن أنني فقط على صواب. وبعد عدة سنوات
فهمت مقصدها من ذلك. أتفهمني يا رعد؟
رعد : ولكنني لن أبيع أخي أبداً. المشكلة أنني إذا نزلت الآن وسمعت كلام والدتي فأين سأذهب للبحث عنه؟
العمة :
مجرد نزولك سيولد فيك طاقة أكبر على لحركة والتصميم، وسيجعل كل من نعرفه
يهتم بالأمر ويبحث معنا فربما أختطف في مكان قريب. وربما قابلنا الجيران
بعد انتهائهم من أداء الصلاة ونشرنا الأمر بينهم. لا أحد يدري النتيجة
ولكن لابد من السعي. الحاسوب لن يأتي بماجد بينما نحن والشرطة يمكننا فعل
ذلك. هيا سأنزل معك تنفيذاً لكلام الوالدة.
وافق رعد على مضض وهم
بإغلاق الحاسوب إلا أنه لاحظ أن هناك رسالة بريد إلكتروني جديدة واردة
لماجد. وعلى التو قام بفتحها فوجدها رسالة فارغة لكن يوجد ملف مرفق معها
ويبدو أنه صورة متحركة.
رعد : عمتي انظري جيداً. هذا
ما كنت أنوي قوله لك. هذه الرسالة التي تحمل توقيع صاحبة الوردة السوداء
تتضمن على ما يبدو ملفاً للتجسس. سأقوم بفتحها مضطراً ولكن في الأحوال
العادية لا أقم بذلك لأنني لا أعرف المرسل. كانت الصورة عبارة عن ملف يحمل
الامتداد "gif"وغريبة لوردة سوداء يتغير لونها تدريجياً للون الأحمر. نظرت
العمة إلى رعد وقالت له:
العمة : أخشى أن تكون هذه رسالة من المختطفين. ماذا يقصدون؟! إلهي أخشى أنهم يهددوا بقتله. لأن اللون الأحمر هو لون الدم.
رعد
: إذا فكلام الوالدة صحيح. علينا الإسراع في التحرك من الآن قبل أن تصل
الشرطة صباحاً. لا فائدة من تتبع جهة إرسال البريد الإلكتروني. فدائما ما
يلجأ المجرمون إلى إخفاء أرقام حواسيبهم "IP address" حتى يصعب تعقبهم أو
استعمال رقم وهمي. آه .. لقد تذكرت شيئاً خطيراً. وأشار لعمته ألا تتكلم
حتى يقوم بغلق الحاسوب.
العمة : أخفتني يا رعد ..أعفريت معنا؟!
رعد ( بعد أن أطفأ الجهاز ): نعم شيئ مثل ذلك. عمتي .. إن حديثنا كان مسموعا من قبل المختطفين. الآن
فقط بدأت أفهم لماذا أرسلوا لنا صورة الوردة هذه. أرادوا أن يقولوا لنا
إنهم عرفوا أننا قمنا بإبلاغ الشرطة لذلك هددونا بقتله وبهذا هو سبب
استخدامهم للون الأحمر. المجرم الذي تحدث معي في الهاتف أكد لي على أن أي
محاولة لإبلاغ الشرطة سيكون نتيجتها التخلص من أخي. لقد أخطأت في حقه
عندما عاتبته. مسكين يا ماجد. أتعرفين .. عندما رأيت سواقة الاسطوانات
تُفتح وتُغلق بدون سبب كان علي أن أقوم بتركيب برنامج مضاد للفيروسات
لإزالة ملفات التجسس التي تمكنهم من السيطرة على الحاسوب بل وسماع ما كنا
نقول من خلال تشغيلهم لميكروفون الحاسوب. ويمكنهم كذلك تنفيذ بعض الأوامر
ومشاهدة ما يُعرض على الشاشة وكذلك إعادة تسمية أو نسخ، وحذف بعض الملفات
من الجهاز، والاطلاع على ما يدخله ماجد باستعمال لوحة المفاتيح بما في ذلك
كلمات السر. وكل ذلك بسبب تسلل "BO". أعرفتي يا عمتي أنني لا ألعب على
الحاسوب مثلما تقول أمي ولكن يصعب توضيح ذلك لها وفي النهاية تغضب مني.
العمة :
اعذرني أنا أيضاً لا أفهم تحديداً ما تقول يا رعد. فقط بدأت أشعر بالخطر
الشديد الذي يواجهه ماجد. سأنتظرك في الصالة حتى نخرج سوياً.
كانت
الشوارع خالية والمباني الزجاجية المتراصة على جانبي الطريق تلمع
استعداداً لاستقبال أشعة شمس يوم جديد. وبدت أعمدة الكهرباء العتيقة
كالعجائز في انحناء ظهورهم، كأنها تبحث معهما عن ماجد. بادرت العمة نورا
الحديث قائلة:
العمة : كنت تود أن تقول لي شيئا قبل دخول الوالدة للغرفة أليس كذلك؟
رعد :
نعم تذكرت .. إنه سر بيني وبينك. أحيانا ما تستعين بي الشرطة في مهام خاصة
تتعلق بتتبع المخربين إلكترونياً. أعرف أن ما سأقوله لك سيصيبك بصدمة.
عمتي .. لقد تأكدت أن ماجدا عضو في جماعة دولية خطيرة للمخربين وأمر آخر
لا أود الحديث عنه الآن، ولو كانت الأمور تسير بصورة طبيعية، فالمفترض
بحكم عملي أن أقوم بالإبلاغ عنه.
العمة : ماذا تقول؟ تبلغ الشرطة عن أخيك!
رعد :
أقول أن هذا هو المفروض. لكن أين هو الآن؟ .. لذا كنت أود أن نقوم بسحب
بلاغنا اليوم. في الحقيقة إني أحتار كثيراً لمعرفة أيهما أهم .. علاقتي
بأخي أم علاقتي بالوطن والقسم الذي أديته للشرطة؟
العمة :
أنت تتجنى عليه كثيراً ولا أدري ما سبب ذلك! يبدو أنني أخطأت بتركك تتمادى
في التطاول على أخيك. هيا عد للبيت، ليس بيننا كلام بعد الآن. ودعني ارحل
لمنزلي.